المقالات والبحوث
رشحات نورانيّة في شرح الخطبة الرّمضانيّة٣، الشيّخ ميثم الفريجي
رشحات نورانيّة في شرح الخطبة الرّمضانيّة٣، الشيّخ ميثم الفريجي
ثم يقول (صلى الله عليه واله ) :(فاسألوا الله ربَّكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، ان يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم )
تستمر الوصايا المباركة للنبي (صلى الله عليه واله ) ليفتح الآفاق أمام الناس في هذا الشهر الفضيل للتزوّد من مائدته ، وكسب ثوابه ، والكون من أهل كرامة الله فيه ، فيحثُّ على السؤال بمنعى الطلب و الدعاء الى الله تعالى ، ولكي تتحقّق الاستجابة لابد ان تكون القلوب طاهرة ونقية من كل ما يشوب ويبعد عن الله تعالى ، صادقة ومخلصة في هذا السؤال والطلب ( نيات صادقة وقلوب طاهرة )
فيتوجه الانسان الى الله تعالى بنية مخلصة ، وقلب صادق خال من الحقد والآثام
ولكن ماذا يسأل بهذه النية الصادقة والقلب الطاهر ؟
يسأل الله تعالى ان يكون محلا لنيل توفيقه في صيام هذا الشهر ، وتلاوة القرآن الكريم فيه .
قال تعالى : (( وَ سْئَلُوا اللَّـهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّـهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )) النساء : 32
وهنا عدة امور مهمة ينبغي عدم اغفالها :
الامر الاول : ان العنصر المهم في حسن العمل ، والاخلاص فيه هو التوفيق الألهي فبدونه لا يمكن تحقيق شيء
قال تعالى :(( وَ ما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّـهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ )) هود : 88
فمن دون توفيقات الله تعالى لعبده لا يمكنه ان يسير في طريق الطاعة والرضا والاصلاح ، لذا كان محل السؤال والدعاء ، فيعلّمنا النبي (صلى الله عليه وآله) ان نسأل الله تعالى التوفيق في امورنا وطاعاتنا
الامر الثاني : ان من أهم اعمال شهر رمضان المبارك : الصيام ، وتلاوة القرآن الكريم لذا كانت محل العناية فيما نسأل الله تعالى التوفيق له في هذا الشهر الفضيل
فالصيام جنة من النار ، وهو الركيزة الاساس لشهر رمضان وبه يتكامل الانسان ويرقى الى مستوى الانسانية الحقة التي يريدها الله تعالى مبتعدا عن الماديات والشهوات واللذائذ ، وإنّما يتحقّق التكامل بتحرير الإنسان من سلطة وتأثير ما سوى الله تبارك وتعالى وأهم تلك المؤثرات (النفس) التي تضغط على الإنسان لإشباع شهواتها وتلبية غرائزها، وضبط هذه النفس وكبح جماحها هو محور الصراع الطويل بين الخير والشر الذي يعيشه الإنسان في داخله ما دام في هذه الدنيا ونجاحه في هذا (الجهاد الأكبر) الذي يخوضه هو الذي يحلق به إلى أوج الكمال حيث يلتحق بالصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وشهر رمضان هو ربيع القرآن لذا كان الحث على تلاوته بل طلب التوفيق من الله تعالى لذلك وسيأتي في كلامه صلى الله عليه واله تركيزٌ على تلاوة القرآن بشكل واضح وصريح
ومن هنا : يفهم لماذا يعلّمنا النبي (صلى الله عليه واله) في أن نسأل الله تعالى التوفيق في صيام شهر رمضان ، وتلاوة القرآن فيه
لانه قد يبتلي الانسان بالشواغل والموانع التي تحول دون ذلك من مرض ، او سفر ، او غفلة ، او تقصير ، او عارض من عوارض الحياة خاصة مع وجود ما يشغل كالانترنيت ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، و رفقة الطيش والهوى ونحو ذلك كثير فلا يوفق للصوم او لتلاوة القرآن
فجاء التأكيد على طلب العون من الله تعالى في ان يكتب التوفيق للمؤمن في مثل هذه الامور
لذا جاء في الدعاء :( اَللّـهُمَّ هذا شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرآنَ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفْرقانِ، وهذا شَهْرُ الصِّيامِ، وَهذا شَهْرُ الْقِيامِ، وَهذا شَهْرُ الاِنابَةِ، وَهذا شَهْرُ التَّوْبَةِ، وَهذا شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهذا شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النّارِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، وَهذا شَهْرٌ فيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتي هِيَ خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْر، اَللّـهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد، وَاَعِّني عَلى صِيامِهِ وَقِيامِهِ، وَسلِّمْهُ لي وَسَلِّمْني فيهِ، وَاَعِنّي عَلَيْهِ بِاَفْضَلِ عَوْنِكَ، وَوَفِّقْني فيهِ لِطاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ واَوْليائِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ، وَفَرِّغْني فيهِ لِعِبادَتِكَ وَدُعائِكَ وَتِلاوَةِ كِتابِكَ، وَاَعْظِمْ لي فيهِ الْبَرَكَةَ، وَاَحْسِنْ لي فيهِ الْعافِيَةَ، وَاَصِحَّ فيهِ بَدَني، وَاَوْسِعْ لي فيهِ رِزْقي، وَاكْفِني فيهِ ما أهَمَّي وَاسْتَجِبْ فيهِ دُعائي......)
الامر الثالث : أمّا من سلب التوفيق ولم يحث الخطى لأستثمار ألطاف الله تعالى في هذا الشهر الفضيل ، ومن لم يكن اهلا للضيافة ، وربما لم يلبّ الدعوة المباركة ، فمصيره الشقاء والحرمان (فأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ) بما جنته يده من التضييع والتسويف فضلا عن الآثام والمعاصي والذنوب ، فأختار الشقاء وترك السعادة ليواجه مصيره المؤسف فيحرم من غفران الله تعالى وبركاته ورحمته..
© Alhawza News Agency 2019