المقالات والبحوث
البحث الذي قدمته مديرة مجمع المبلغات الرساليات - فرع الرصافة الثانية الاستاذة وجدان الشوهاني
البحث الذي قدمته مديرة مجمع المبلغات الرساليات - فرع الرصافة الثانية
الاستاذة وجدان الشوهاني
بندوة فكرية اقامتها مؤسسة الزينبيات بذكرى شهادة امير المؤمنين (ع)
وحملت شعار
الشهادة فوز ونصر
وكان عنوان محورها
الإمام علي ( عليه السلام ) وفلسفة الشهادة
_______
لا يتصور البعض إنّ الكلام عن شخص أمير المؤمنين (ع) بالأمر الهين ؛ لأن علي (ع) في حقيقته هو أمة كاملة بل هو الإسلام بكل ما فيه من قيم ومباديءوتشريعات وحيث إننا في ذكرى شهادته التي صاح جبريل (ع) لها صيحة سمعها القاصي والداني (تهدمت والله اركان الهدى وانفصمت والله العروة الوثقى ) .
فنحن إذن نتكلم عن شهادة لم يتهدم لها ركن واحد للهدى بل تهدمت كل الأركان والدخول لفلسفة تلك الشهادة يُعد بوابة لمعرفة أسرار تلك الشهادة
التي لعلّها خفية عن الكثير
ولنتكلم عن فلسفة الشهادة من ثلاث جوانب
اما الاول فهو الجانب اللغوي
اذن سنبدأ من لغة الضاد ومعاجم اللغة العربية لنعرف المقصود من الشهادة لغوياً
فالشهادة وكما جاءت في معاجم اللغة
هي الموت في سبيل الله
وهذا المعنى يقودنا الى البحث عن معنى الموت ايضاً
فالموت في اللغة
يعني زول الحياة عن الكائن الحي وزوال الحياة له أشكال
فقد يكون طبيعياً أو قتلاً والقتل يكون بالسيف او السم او بسوح الحرب فإن كان القتل في سبيل الله سمي المقتول شهيداً
وبهذا يمكن استنتاج معنى ادق للشهادة لغة و هو
الموت قتلاً في سبيل الله
وعليه يكون جميع أهل البيت شهداء لأنهم ماتوا قتلاً (اما بالسم أو السيف أو سوح الحرب ) وكان ذلك في سبيل الله وأول الأئمة هو علي بن ابي طالب (ع)
وهذا الجانب اللغوي للشهادة
اما الجانب الثاني وهو
الجانب القرآني
فالقرآن قد اشار الى مقام الشهادة في كتاب الله في مواضع كثيرة منها قوله تعالى في سورة النساء أية 69 : ( ومن يطع الله ورسوله اؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اؤلئك رفيقا)
فلو تمعنّا في الأية الكريمة سنجد إن هناك مراتب قد رتبها الله بحسب مقامها فبدأ بالأنبياء ثم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين
وبهذا يتضح ان الشهداء عموماً هم في مرتبة تالية للصديقين من حيث المقام
و لو بحثنا عن علي بن أبي طالب (ع) فسنجده في جميع المراتب عدا النبوة
فهو الصديق الأكبر وهو الشهيد وهو الصالح كما جاء ذلك وثبت في كتاب الله
اما الجانب الثالث والذي سيأخذ مساحة أكبر في بحثنا فهو
الجانب الفلسفي للشهادة
و قال الباحثون عن مقام الشهادة بأنه
مقام وفضل ونور ألهي يعطيه لأصحاب المراتب العالية من المؤمنين
فعلي بن ابي طالب (ع) مع كونه الصديق الأكبر ومنزلته الجنة لا محال لكننا وعندما نتصفح تاريخ حياته نجده من اكثر أصحاب النبي (ص وآله ) سعياً للشهادة ومنذ بداية الدعوة الأسلامية
حيث بدأت من مبيته في فراش النبي (ص وآله ) ولكن الله حفظه وصانه لأمر أهم ثم خوضه المعارك واحدة تلو الأخرى ويخرج منه محفوظاً فيشق عليه الأمر لعدم نيله الشهادة حتى وصل الأمر الى إنه يشتكي تأخر الشهادة لرسول الله (ص وآله )
فجاء جواب النبي ( ص وآله ) : ( أبشر فإن الشهادة من ورائك )
ترى ما السر في سعي إمير المؤمنين (ع) لنيل الشهادة ؟
وما هي فلسفة ذلك السعي؟
لأن فلسفة السعي هي التي ستقونا لمعرفة فلسفة الشهادة
وسر سعيه هو نحن
فعلي (ع) أراد أن يعلمنا درساً مهما في حياتنا ألا وهو
( عشق الشهادة )
فلنبحث التأريخ بطوله وعرضه عن عاشقاً حقيقياً للشهادة فسنجد علي بن أبي طالب (ع) أول العاشقين
وحتى نتعلم العشق لابد لنا أن نستعرض مائدة العاشقين التي أعدها الله للشهداء فقد قال تعالى في سورة آل عمران :
( ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضلهِ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الّأ خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة منالله وفضلٍ وأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين )
فإذا قرأنا الأية سنجد إن الله قد جمع ما أعدّ للشهداء في ثلاث آيات وهذا يعني إن مائدة الشهداء عامرة
فبدأ بالحياة إشارة الى إنهم في حركة مستمرة فالموت عبارة عن سبات للميت على عكس الشهادة فالشهيد في حركة لا تختلف عن حركته في الدنيا الّا من حيث أختلاف العوالم
ثم تشير الأية الى إنهم في رزق ورزقهم مستمر لأن الفعل في الأية الكريمة هو فعل مضارع وقال البلاغيون إنه يفيد الأستمرار ومن هنا فرزق الشهداءمستمر لا ينقطع
وجاء في حديث للإمام الصادق (ع) أنه قال :
قال رسول الله ( ص وآله ) للشهيد سبع خصال :
الاولى : أول قطرة من دمه مغفورا له كل ذنب
الثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه فتقولان مرحبا بك ويقول هو مثل ذلك لهما
الثالثة : يكسى من كساء الجنة
الرابعة : يبتدره خزنة الجنة من كل ريح طيبة أيّهم يأخذ منه
الخامسة: أن يرى منزله
السادسة : يقال لروحة : اسرح في ال
جنة حيث شئت
السابعة: أن ينظر في وجه الله وإنها لراحة لكل نبي وشهيد .
ترى أي رزق خير مما قاله الأمام الصادق (ع)
ثم إنهم يستبشرون بمن لم يلحقوا بهم من خلال الأخبار التي تأتيهم ممن خلفوهم من المؤمنين
وهم في مقام لا خوف فيه ولا حزن لأن النعم دائمة لافقدان فيها
إما الأستبشار الأخير فهو أستبشار بنعمة تأتيهم يوم القيامة الا وهي نعمة الشفاعة
فأي مائدة أعظم من مائدة الشهداء
وكيف لا يكون علياً عاشقا للشهادة وهو الأجدر بها
فقد وصل في عشقه الى إنه عندما يدخل الى حرب يدعو من الله ان يرزقه الشهادة
كما جاء في قوله عند دخوله حرب صفين (اللهم رب السقف المرفوع .....إن اظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق وإن اظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنه )
ولم يكتف بل كانت الشهادة حاضرة في كتبه ورسائله فكان يختمها بذكر الشهادة كما جاء ذلك في رسالته الى عامله في البصرة مالك الأشتر ( وانا اسأل الله بسعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على اعطاء كل رغبة أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة )
ولهذا السبب كانت شكواه فعاش حياته صابراً منتظراً للشهادة
وبعد صبر وانتظار طويل دخل مسجد الكوفة شاعراً بعلامات الشهادة التي طالما انتظرها باشتياق حتى جاءت اللحظة الأخيرة وفي موضع يكون الأنسان قريب كل القرب من ربه
الأ وهو موضع السجود فقد كان ساجداً يصلي لربه فجاءت ضربة اللعين لتنقل أمير المؤمنين (ع) من قرب الى قرب آخر من ربه
ولهذا كان ندائه ( فزت ورب الكعبة ) يقسم برب البيت الذي ولد فيه بأنه فاز
وكان فوزه هو الفوز المبين
نعم يا علي فزت ونلت ما انتظرته وعشقته
فلقد كان علي بن ابي طالب (ع) مترجما للشهادة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم
كاشفا عن فلسفتها وحقيقتها
لنتعلم كيف نعشق المقامات العالية كمقام الشهادة ونسعى لها بكل ما عندنا من قوة هذه هي فلسفة الشهادة في حياة علي بن ابي طالب (ع)
رحلت يا علي شهيدا
معلنا ذلك بقسم عظيم
الا وهو
( فزت ورب الكعبة )
فزت يا علي
لكننا خسرناك
فرحيلك هدّم اركان الهدى
رحيلك ابكى السماوات والارض
ونحن في رحاب علي (ع) أسأل الله أن يرزقنا الشهادة وحسن العاقبة .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
© Alhawza News Agency 2019